
ملاحظة: كتب هذا المقال قيل توقيع البيان المشترك بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي و لكن لم يُقدّر له ان ينشر حتى الآن
هناك لحظات ومواقف تمر بها الشعوب والأفراد ويسجلها التاريخ لتصبح الميزة الوحيدة التي تُعَرٍفُ فترة زمنية أو حكومة معينة. لكن من المؤسف أن هذه اللحظات والمواقف عادة ما تبدو روتينية في الوقت الحضر وغير ممَيَّزة إبان الواقعة ولا يدرك المتأثرون أهميتها التاريخية إلا بعد فوات الأوان. فمثلا، رغم جميع الانتقادات الموجهة للرئيس المختار ولد داداه تغمده الله برحمته الواسعة، يُعرف على أنه أبو الأمة ومؤسس الدولة الموريتانية. كما يعرف محمد خون ولد هيدالة رغم ما تميزت به فترة رئاسته بأنه فرض وجود مفهوم الدولة بصورة غير مسبوقة ليدرك الجميع أنه لن يفلت من الملاحقة إن لم يلتزم بالنظام. أما ولد الطايع فقد كان منه ما كان خلال عقود حكمه، ولكن من أبرز ما يذكر به هو تطبيعه مع دولة الاحتلال الصهيوني الذي كان واحدا من أفدح أخطائه التي لا تغفر والذي بقي وصمة عار تدنس سمعة الشعب الموريتاني الكريم.
ويختص اعلي ولد محمد فال رحمة الله عليه أنه الوحيد الذي تخلى عن كرسي الرئاسة طواعية وتوارى عن الأنظار ولأضواء. أما محمد ولد عبد العزيز فله شرف من نوع خاص حيث إنه كان أول رئيس يلاحقه القضاء الموريتاني بتهمة الفساد، بغض النظر عما إذا كان يستحق ذلك أم لا. الأمر الذي يوصلنا إلى الرئيس الحالي وحكومته.
قد يرى البعض أن محاكمة الرئيس السابق بتهمة الفساد هي أبرز ما ميز حكم محمد ولد الشيخ الغزواني (في ولايته الأولى علىالأقل)، إلا أن الأخير يجد نفسه وحكومته الآن في موقف لا يحسدون عليه يضعهم أمام واحدة أخرى من اللحظات الحاسمة التيسيكتبها التاريخ بحبر يتحكم هو (الرئيس) وحكومته وحدهما في تقرير ما إذا كان لونه سيكون من ذهب أو من فحم. فمن الجدير بهمإدراك أهمية وخطورة الامتحان الذي يمرون به في الوقت الحالي والذي نرجو لهم النجاح فيه والتوفيق.
لا تتجاوز الأمور التي يتفق عليها الموريتانيون بإجماع عدد أصابع اليد الواحدة ومن ضمنها المساندة غير المشروطة للقضيةالفلسطينية، بناء المساجد وحوانيت السقط في كل ركن وزاوية، واستغلال الوساطة والرشوة وأدوات التحايل الأخرى لتحقيق المكاسبالمستحقة وغير المستحقة على حد سواء. إضافة إلى الاهتمام الهئل بالمفاوضات الجارية بين الحكومة الموريتانية والاتحاد الأوروبي حول مكافحة الهجرةغير النظامية التي أخذت تتصدر هذه القائمة منذ زيارة رئيسة المفوضية الأوربية ورئيس الوزراء الإسباني خلال الشهر الماضي. ومعأن المفاوضات لا تزال جارية ولا يعلم إلا الله وحده، ما سوف تتضمنه النسخة النهائية بعد توقيها-إن تم ذلك على الإطلاق-إلا أنه لا يكادالجميع يجزم على أن الحكومة الموريتانية قد قامت ببيع البلاد للأوروبيين الذين يحولونها إلى مستوطنات لمن لا يرغبون في وجودهم يبنظهرانهم.
أعتقد، بناء على قراءتي السطحية للأحداث التي أتابع من وراء الضفة الأخرى للمحيط الأطلسي، والتصريحات الرسمية للحكومةالموريتانية، أن الحكومة لن تقبل بتوطين المهاجرين المطرودين من القارة العجوز على أرضنا. حتى وإن كانت الحكومة قد أخذت هذاالخيار بعين الاعتبار في السابق، لا بد من أن تكون قد أدركت أنه ليس بالخيار الحكيم بعد الضجة الكبيرة والاهتمام العارم اللذانولدهما هذا الموضوع في مختلف شرائح المجتمع. فحدة الموضوع تكاد تعادل حدة قرار ولد الطايع للتطبيع مع دولة الاحتلال الصهيوني من حيث مستوى اهتمام الرأي العام ورفضه التام لها.
فحدة الموضوع تكاد تعادل حدة قرار ولد الطايع للتطبيع مع دولة الاحتلال الصهيونى من حيث مستوى اهتمام الرأي العام ورفضه التام لها.
من ناحية ثانية ولاعتبارات استراتيجية وواقعية، أقدر الموقف (أو بالأحرى المأزق) الذي وجدت الحكومة نفسها فيه والذي يصعب الخروج منه بسلام دون أن تصاب بجروح سياسية أو دبلوماسية وربما أخرى استراتيجية عميقة سوف تبقى تعاني من آلامها لفترة ليست بالقصيرة. فمعضلة الهجرة غير المنظمة ليس من السهل حلها, وموريتانيا بحكم موقعها الجغرافي أصبحت طرفا فيها، شاءت ذلك أم أبت. فلم يعد من الممكن عمليا أو من الرشد سياسيا ودبلوماسيا لموريتانيا تجاهل هذه المعضلة وكأنها لا تعنيها في شيء. فالسؤال الوحيد المطروح أمام الحكومة الموريتانية اليوم هو كيف تمكنها معالجة الأمر بطريقة تحفظ المصالح الوطنية، أو على الأقل بطريقة تضمن أقل حد ممكن من الأضرار.
فلتعلم الحكومة أنه مهما كانت بنود الاتفاقية النهائية، سيسجلها التاريخ في صفحاته ضدهم أو عليهم وسوف ترتبط بأسمائهم إلى الأبد.
كل ما أرجوه هو أن تدرك الحكومة أنها تمر بواحدة من الفترات التاريخية الحاسمة نظرا لاهتمام الرأي العام بحيثياتها وجسامة الأخطار والفوائد التي قد تنتج عنها والتي قد تمتد تداعياتها إلى عقود أو قرون من الزمن في المستقبل. فلتعلم الحكومة أنه مهما كانت بنود الاتفاقية النهائية، سيسجلها التاريخ في صفحاته ضدهم أو عليهم وسوف ترتبط بأسمائهم إلى الأبد.